التحليل اللغوي

  • 01:01 WITA
  • Administrator
  • Artikel

وإذا أردنا أن نتكلم عن "التحليل اللغوي" فمن الجدير أن ننتبه جميعًا إلى ثلاثة منطلقات رئيسية يجب على من يقوم بالدخول إلى النص بهذا النوع من التحاليل أن يكون على وعيٍ بها:

أولاًلا يجب أن يكون المبدع أو منشئ النص الأدبي على علم بقواعد "التحليل اللغوي" التي يستخدمها المحلِّل أو حتى قواعد اللغة التي تحكم نصه؛ فمرحلة الإحاطة بالقواعد أو مرحلة إصدار الأحكام مرحلةٌ تالية على مرحلة الإبداع ذاتها.

 

ثانيًاإن "التحليل اللغوي" هو أداة مثل أيِّ أداة للدخول إلى الجانب غير المرئي من النص الأدبي، تحلله وتفصله، وتعيد تركيبه لتَسْتَكْنِهَ مَاهِيَّتَه، وهذه الأداة - في الحقيقة - أداة وهْمية، ليست لها أي صفة في الحقيقة كالساحر الذي يُقطِّع جسم صاحبه على المسرح إلى قسمين فما يلبث هذا الصاحب حتى يقف محيِّيًا جمهورَه كاملاً غير منقوص وكَأنْ لم يحدث فيه أيُّ خدْش.

 

ثالثًاإن اللغة التي نستخدمها في "التحليل اللغوي" تختلف بالضرورة عن اللغة التي يستخدمها مُنشِئ النص؛ فلغة المبدع فِطرية، وهي الموضوع Object-language، وتعتبر لغة التحليل لغة علمية علوي Meta-language، وهذا لا يعني أن تكون لغة التحليل أضعف من اللغة المستخدمة في النص؛ وإلا لا يعقل أن تكون لغة النص جزلة وتتمتع بقدر كبير من الفصاحة، ولغة التحليل ركيكة هشة، وأرجو أن يكون الله قد مَنَّ عليَّ بما يوافق كلامي من تطبيقي.

قول أمير الشعراء أحمد شوقي مادحًا المعلِّمَ ومُشيدًا بدوره في بناء حضارة عظيمة:

قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا          كادَ المعلّمُ أنْ يَكُونَ رَسُولا

أعَلِمْتَ أشْرَفَ أوْ أجَلَّ مِن الَّذِي يَبْنِي وَيُنْشِئُ أنْفُسًا وَعُقُول

سُبْحَانَكَ، اللَّهُمَّ، خَيْرَ مُعَلِّمٍ      عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الأولَى

أخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ  وَهَدَيْتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلا

وَطَبَعْتَهُ بِيَدِ الْمُعَلِّمِ، تارةً        صَدِئَ الْحَدِيدِ، وَتَارَةً مَصْقُولا

أرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الإنْجِيلا

 

التحليل على المستوى الصوت:

أول ما يطالعنا به الشاعر هو تلك الدَّنة الصوتية القوية من "قُـ" المجهورة والشديدة والمضمومة و"ـمْ" المجهورةِ بِغنَّةٍ، وكأنه يوقظ نيامًا من سبات عميق مُفزِعا إياهم.

حتى إذا ما وجدَ المخاطب قد فزع فعلاً فإنه يرجع ليخفف عنه ما أصابه من الفزع بما في الفعل "وَفِّهِ" من قيمة صوتية: واو تتميز بالجهر وكأنه يقول: كن منتبهًا لأنني سوف أُرجِعكَ لطبيعتك الهادئة والرخاوة، وفاء مهموسة رخوة مكرَّرة، وهاء بنفس سمات الفاء إلا أنَّ الكسرة تضعنا أمام إشارة يدوية من الشاعر أنْ اهدأ لتمنحَنِي طلبي.

وفي البيت الثاني، وكأنَّ الشاعر قد أمسك كتِفَي مخاطَبه بيديه وحاول أن يهزه ست مرات، إن صوت الهمزة هنا يشعرنا بأشياء منها أبوية الشاعر لمخاطبه ودلالُه عليه لدرجةِ أنْ يُمسك بكتفيه ويهزه هزات حانية، ومنها أن الشاعر قد أحس من مخاطبه استنكارا لإيقاظه بهذا الشكل، وتبريره الذي لم يرتقِ عنده لدرجة القبول "كاد المعلم أن يكون رسولا"؛ وكأن المخاطب يقول: فكيف بك أيها الشاعر الأب الكريم توقظني من نومي بهذه الطريقة ثم تقول لي: "كاد المعلم أن يكون رسولا"! 

إذا تأملنا صوت الجيم وجدنا أنه هنا يدل على الفخامة، ولا يوجد صوت آخر يتناسب مع هذا المكان غير هذا الصوت، وتستطيع - أيها القارئ الكريم - أن تضع مكانه "أعزَّ" مثلا، وانظرْ ماذا تحس، ينضاف إلى ذلك صوت الشين في الصفة "أشرف" مع الراء التكرارية.

ويدخل صوت السين لأسماعنا من "سبحانك" لنتوقع أن الشاعر في موقفه التمثيلي قد هدأ وهدأ مخاطَبُة المسكين بعد أن أجاب بإجابةٍ دُفِع إليها مرتضيا "نَعَمْ"، كما نتوقع أن يتحول الحديث من المخاطب إلى من بيده عِلْمُ المعلِّم وكينونتُه.. الله سبحانه وتعالى.

ومن الملاحظ في هذا البيت كثرة التشديد 4 مرَّات للتأكيد في إطار من الإذعان والامتنان يبدو من أصوات النون 3 مرَّات والميم 6 مرَّات واللام 12 مرَّة.

 

وأجدني مشدودا بإحساسي إلى تلك الواو التي في كلمة "القرون"، وكأنها تحكي قصة تلك القرون الطويلة على مدار تاريخها الطويل أيامًا ولياليَ، وأسابيع وشهورًا، وفصولاً وسنواتٍ، ثم يأتي صوت النون في نفس الكلمة، وكأنَّ السبات قد خيَّم على تلك القرون التي تطالب بإزالة هذا السبات عنها يظهر هذا من خلال فتحة النون = نَ، وهذا مما يحتاج إلى قوة وجهد كبيرين لإزالته، وبالتالي، يأتي دور اللام من كلمة "الأولى" التي من خصائصها الإذلاق والانحراف، وكأنها حلقة الوصل بين المشكلة وطريقة حلها، وفجأة نسقط مع الهمزة في عملية تطهيرها الطويلة أيضًا الواولنخرج أيضا بسهولة وكأننا نرى معاول التطهير ونسمع صوتها في اللام وصوت الإطلاق.

ثم يعود الشاعر لصوت الهمزة من جديد بادئًا به، وكأنه يقول: إنك - يا ربي - حينما أردتَ أن تمحو عن العقل غياهب الجهل فلا مقدمات ولا دوافع، وإنما هي إرادةٌ إلهية تسير بقانون "كُنْ فيكون"، ولا أحدَ يستطيع أن يسبق علمك إلى ما تريدُ.

ولكننا مؤمنون بكرمكَ وإحسانكَ - يا رب العالمين - فمن المتوقع، وقد أخرجته من ظلمات الجهل، أن تحسن إليه وتهديه صراطك المستقيم ومحور تلك الدلالة هو صوت الهاء في "هَدَيْتَه".

ويؤكد لنا صوت الطاء في على مدى قوة الطبع وعصيانه عd