تعد المسارح والتمثيل من العوامل المهمة
المساعدة في تنشيط الأدب ونهضته. وقد عرف العرب منذ قرون كثيرة فن خيال الظل. لكن الباحثين يجمعون على أن المسرح العربي بمعناه
الفني قد ولد في لبنان في منتصف القرن التاسع عشر حين نقل مارون النقاش مسرحية «البخيل» لموليير إلى العربية ومثلها في بيته عام 1848 بعد
أن كان قد اطلع على المسرح والتمثيل في أوربة. ثم أخذ بعدها بتأليف المسرحيات
وتمثيلها، وقد جمعت مسرحياته في كتاب «أرزة لبنان»، وكانت لغته فيها أقرب إلى
العامية.
وقد نظم خليل اليازجي مسرحية «المروءة والوفاء» ومثلت عام 1878.
أما في سوريا فقد تأثر أحمد أبو خليل
القباني بمارون النقاش فألف ومثل أكثر من ستين
مسرحية استوحاها من التاريخ العربي الإسلامي وقصص ألف ليلة وليلة، وأدخل
فيها الشعر والموسيقى ولاسيما الموشح ورقص السماح. ومن تلك المسرحيات «هارون
الرشيد» و«أنيس الجليس» و«ناكر الجميل» و«مجنون ليلى» و«الأمير علي». وانتقل إلى
مصر ومعه جَوقة من الممثلين والمنشدين، فلقي ترحيباً هناك وعلت شهرته وكثر الآخذون
عنه. واقتبس قصصاً عن الأدب الغربي.. وكان أسلوبه في أعماله مسجعاً وأقرب إلى
الفصحى.
وألف سليمان النقاش - ابن أخي مارون - فرقة تمثيلية هو الآخر وانتقل بها إلى
الاسكندرية عام 1876 وترجم أوبرا عايدة واقتبس من بعض مسرحيات كورني وراسين،
واشترك مع أديب إسحاق في تأليف المسرحيات التي شاركهما يوسف الخياط في تمثيل
بعضها. ثم انتقل الخياط إلى القاهرة فمثل على مسرح دار الأوبرا مسرحية «الظلوم»
التي حضرها الخديوي إسماعيل فأغضبته ظناً منه أن صاحبها يعرض به، فأمر بإخراجه من
مصر.
وكان المسرح قد بدأ في مصر عام 1869 على
يدي يعقوب صنوع المعروف بأبي نظارة. وقد مثل اثنتين
وثلاثين مسرحية من اقتباسه أو تأليفه عالج فيها بعض المشكلات الاجتماعية بأسلوب
انتقادي تقرب لغته من العامية، منها تمثيلية «الوطن والحرية» التي أثارت غضب
الخديوي إسماعيل فأمر بإغلاق مسرحه عام 1871، وألفت فرقة سليمان قرداحي ومعه سلامة حجازي عام 1882. وقد عمل حجازي مع أبي خليل
القباني عند انتقاله إلى القاهرة عام 1884 كما عمل مع اسكندر فرح. وعلى أيدي هؤلاء
ازدهر التمثيل الذي يجمع بين الجد والهزل والشعر والغناء وظل مسرحهم يعمل حتى عام
1900.
ثم ألف جورج أبيض فرقته بعد أن عاد متخصصاً بهذا الفن من
باريس عام 1910 فمثل مسرحية فرح أنطون «مصر الجديدة ومصر القديمة» التي كانت نقلة
واسعة للمسرح باتجاه «المسرح الاجتماعي». وقد اتسم مسرح جورج أبيض بالجدية
المأسوية واستمر حتى الحرب العالمية الأولى. وتابع المسرح في مصر تقدمه على يد يوسف وهبي الذي افتتح عام 1923 «مسرح رمسيس» ومثلت
فرقته ما يقارب مئتي مسرحية كان بعضها مترجماً وبعضها الآخر من تأليفه أو تأليف
غيره.
ومن الملاحظ أن التمثيليات العربية آنذاك -
معربة أو مؤلفة - كانت إما مأساة Tragédie وإما ملهاة Comédie، أما التمثيليات الهزلية الضاحكة Farce فقد عرفت تقدماً واضحاً مع نجيب الريحاني الذي تقمص شخصية «كشكش بك عمدة كفر البلاص»
الذي يهرب من زوجه ويركض وراء النساء. وقد تعاون الريحاني مع بديع خيري في تأليف مسرحيات هزلية شعبية، أو ترجمتها،
كما تعاون معه في تمثيلها وإخراجها. وقد أربت تلك المسريحات على أربعين وكانت ذات
طابع تهكمي ساخر.
وأنشأ علي الكسار المعروف باسم «بربري مصر» مسرحاً هزلياً
إلى جانب مسرح الريحاني، وانضم إلى فرقته الممثل إسماعيل ياسين الذي استمر بعد أن أخفق الكسار وأغلق
مسرحه. وجاء بعده ممثلون هزليون آخرون، لكن عددهم ظل - ولايزال - أقل بكثير من
أعداد الممثلين الجادِّين.
أما المسرح الغنائي فقد بدأه الشيخ سلامة حجازي، وجاء بعده سيد درويش فطور هذا
المسرح ولحن له وشارك في تمثيليات عدة منها «فيروز شاه» و«العشرة الطيبة»
و«شهرزاد» و«الباروكة». ثم توقف المسرح الغنائي مدة طويلة حتى ظهرت في بيروت
«الفرقة الشعبية اللبنانية» التي أسسها وألف لها عاصي ومنصور الرحباني مشتركين مع
عدد من كبار الفنانين ومؤلفي الزجل وعلى رأسهم فيلمون وهبي. وقد قدمت الفرقة
مغنيات مسرحيات غنائية كثيرة أشهرها ما أخذت أدوار البطولة فيه المطربة الكبيرة فيروز (نهاد حداد) مثل:
مسرحية «الشخص» و«فخر الدين» و«المحطة» و«بياع الخواتم». وهذه المسرحيات الغنائية
- مع أنها تستخدم العامية لغة لها - ترقى إلى مصاف أرقى ما أنتجه المسرح العربي من
حيث المشكلات المطروحة فيها وأساليب المعالجة وجمال الأداء وتفوق الموسيقى. ويمكن
عدّ مسرح الرحابنة امتداداً متطوراً لمسرح سيد درويش.