علم اللهجات2

  • 05:58 WITA
  • Administrator
  • Artikel

مصادر دراسة اللهجات:

تعتمد دراسة اللهجات القديمة والحديثة على عدة مصادر, تستقي منها مادتها, وهذه المصادر منها ما هو خاص باللهجات القديمة, ومنها ما هو خاص باللهجات الحديثة, ومنها ما هو مشترك بين القديمة والحديثة على السواء, ومن هذه المصادر:

1- القراءات القرآنية:

وهي أهم مصادر اللهجات القديمة وأوثقها جميعاً, وذلك لما يلي:

أ- أن القرآن الكريم نزل على أفصح الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) (الشعراء:195) ولغة عربية فصحي منتقاة, من لهجة قريش ولهجات قبائل عربية أخري, تأليفا لقلوب العرب أجمعين, وجمعًا لهم على كلمة واحدة, وعلى هذا فالقراءات القرآنية قد أتت ممثلة لهذه اللهجات, لأن قُرَّاء القرآن الكريم كانوا من جزيرة العرب التي اشتملت على هذه القبائل جميعا, وبذلك تتوطد الصلة بين القراءات واللهجات, خاصة وأن بعض العلماء يفسر المراد «بسبعة أحرف»في الحديث المشهور: «إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ» بسبع لهجات.

ب- أن العلماء وضعوا للقراءة الصحيحة شروطا ثلاثة لابد من توافرها فيها, وإلا لم تعدّ صحيحة, وهي: أن تكون متواترة, وأن توافق الرسم العثماني, وأن توافق العربية ولو بوجه, وهذا الشرط الأخير (موافقة العربية ولو بوجه) هو ما يمكن تفسيره هنا بصحة القراءة بلهجة العرب على اختلافها, يقول ابن خالويه: «فإني تدبرت قراءة الأئمة السبعة من أهل الأمصار الخمسة([19]), والمعروفين بصحة النقل, وإتقان الحفظ, المأمونين على تأدية الرواية واللفظ, فرأيت كلاًّ منهم قد ذهب في إعراب ما انفرد به من حرفة مذهبا من مذاهب العربية لا يُدْفع, وقصد من القياس وجهًا لا يُمْنع, فوافق باللفظ والحكاية طريق النقل والرواية, غير مؤثر للاختيار على واجب الآثار»([20]).

ج‍- وثاقة منهج نقل القراءات القرآنية, فهو يختلف في طريقة نقلها عن الطريق التي نقلت بها المصادر الأخرى كلها, كالشعر, والنثر, بل اختلفت طريقة نقلها عن طريقة نقل الحديث الشريف, إذا كانت ولا زالت تعتمد على التلقي والعرض([21]).

2- المأثور عن العرب مما حفظته لنا بطون الكتب:

فالقدماء لم يتركوا لنا مؤلفا مستقلاً في اللهجات, وإنما جاءت إشارات عنها متناثرة في بطون كتب التراث من لغة, وأدب, وتفسير, وتاريخ, ونحو, ومعاجم, وكتب الطبقات والتراجم, بل في كتب الجغرافيا, والطب وغير ذلك من كتب التراث المختلفة, كما نجد مادّة لهجية في كتب أو رسائل اللغات, سواء أكانت في القرآن, أم في لغات القبائل, فهي على قلتها من المصادر النافعة المباشرة.

فمن المعلومات اللهجية المهمة, تلك التي قدّمها- عفوًا أو قَصْدًا- فريق من العلماء من اللغة المستعملة في أيامهم, أمثال الجاحظ (ت 255ه‍) في «البيان والتبين», و»البخلاء» وغيرهما من مؤلفاته, مثل: الهمزاني (ت 334ه‍) في «صفة جزيرة العرب», والمقدسي (ت 375ه‍) في «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم», وابن خلدون (ت 808ه) في مقدمته, وغيرهم.

كذلك نجد مادة لهجية مهمة في الكتب التي ألفت في التنقية اللغوية, ولحن العامة, مثل: «ما تلحن فيه العامة» للكسائي (ت 189هـ), و»إصلاح المنطق» لابن السكيت (ت 244ه‍), و»أدب الكاتب» لابن قتيبة (ت 276ه‍) و»درّة الغواص في أوهام الخواص» للحريري (ت 516هـ)([22]).

3- في اللهجات الحديثة حقائق عن اللهجات القديمة:

إن دراسة اللهجات المعاصرة تكشف لنا حقائق عن اللهجات العربية القديمة, وذلك أن كثير من العاميات في لهجاتنا الحديثة يتفق مع لهجات عربية قديمة, ومن ذلك أن لهجة الحجازيين تقول في اسم المفعول إذا صيغ من الثلاثي الأجوف كقال وباع, مقول, مبيع, أما التميميون فيعلون اسم المفعول من الأجوف الواوي يقولون مقول, ويتمّون اسم المفعول من الأجوف اليائي يقولون: مبيوع, وعلى هذه اللهجة نقول الآن. في لهجتها العامية: فلان مديون, وهذا الشيء مبيوع أو معيوب....إلخ([23]).

وفي عاميتنا ما يتفق في اللفظ والمدلول مع الفصحى, مثل الوكس بمعني البخس في الثمن, وتشل اللحم ينشله عامية وفصحى, والعباية التي هي ضرب من الأكسية, وفي العامية والفصحى سواء([24]).

4- ما كتبه المستشرقون والغربيون عامة:

فهؤلاء كتبوا عن اللهجات العربية القديمة والحديثة, سواء أكان ذلك عن حسن نية, بهدف الدراسة العلمية, واحتذاء لما يفعلونه بلغاتهم أم عن سوء نية, ابتغاء القضاء على الفصحى, وإحلال العاميات محلها([25]).

وممن كتبوا عن اللهجات العربية القديمة: تشيم رابين, وكتابه بعنوان: «اللهجات العربية في غرب الجزيرة العربية» وترجمته إلى العربية الدكتور عبد الكريم مجاهد, كما ترجمه من قبل الدكتور عبد الرحمن أيوب, وكتب عن اللهجات الحديثة كثير من المستشرقين منهم: جوستون, وكتابه بعنوان: «دراسات في لهجات شرقيّ الجزيرة العربية» ترجمه إلى العربية الدكتور أحمد محمد الضُّبَيْب.

5- ما كتب عن اللهجات بأيدي علماء العربية:

فقد اتجهت عناية كثير من علماء العربية في العصر الحديث إلى الكتابة في علم اللهجات, فكتبوا عن اللهجات القديمة والحديثة على السواء, وكانت لهم دراسات ذات قيمة كبيرة في هذا المجال, وبعض هذه الدراسات نال بها أصحابها درجة «الماجستير» وبعضها الآخر نال بها أصحابها درجة «الدكتوراه» كما أن بعضها كان دراسات لم يقصد بها أصحابها نيل درجة علمية.

6- من مصادر اللهجات الحديثة خصوصاً: السماع, وهو أفضل وسيلة لدراسة اللهجات, ويحتاج إلى فطنة, وتوقِّد ذهن, ويستعين الدارسون بآلات التسجيل, ليتمكنوا من سماع ما تمّ تسجيله أكثر من مرّة, وفي أيّ وقت شاءوا.

كما يمكن الاستعانة في دراسة اللهجات الحديثة بما كتب بها «في مصر وغيرها, وما صدر بها من أعمال أدبية في القصة أو المسرحية أو الشعر أو الفكاهة أو غيرها, في كتب أو دوريات»([26]).