كان لإنشاء المطابع، وانتشار الطباعة أثر
واضح في ظهور الصحافة. ومن المتفق عليه أن الصحافة العربية ظهرت في مصر قبل غيرها
من البلاد العربية، وكان ذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر، فقد أنشأ
نابليون عام 1800م جريدة «التنبيه» وأصدرت البعثة العلمية الفرنسية سلسلة تاريخية
قام بتحريرها إسماعيل الخشاب. فلما جاء محمد علي أصدر أول صحيفة عربية سنة 1822م
هي «جرنال الخديوي» بالعربية والتركية ثم أصدر جريدة الوقائع المصرية سنة 1828م، باللغتين العربية والتركية ثم
اقتصرت على اللغة العربية. وقد تداول رئاسة تحريرها بعض كبار الأدباء منهم
الطهطاوي وحسن العطار والشدياق ومحمد عبده وعبد الكريم
سلمان. وتلتها «المبشر» التي أصدرها الفرنسيون في الجزائر عام 1847م وكانت
تصدر مرتين في الشهر، وكان حجمها كبيراً وعباراتها ضعيفة. ثم توقفت الصحافة في مصر
وظهرت في سورية، أولاً على يد الإرساليين الأمريكيين إذ أصدروا نشرة دينية عام
1851م كانت تخرج مرة في السنة، ثم مرة كل أربعة أشهر، ثم احتجبت عام 1855م، وفي
هذه السنة أنشأ رزق الله حسون في إسطنبول «مرآة الأحوال» وهي أول جريدة
عربية سياسية خاصة، لكنها لم تستمر بعد السنة إلا قليلاً، وأنشئت بعدها جريدة
«السلطنة» في الآستانة لجورج شلهوب عام 1857م، ثم «حديقة الأخبار» في بيروت عام
1858م لخليل خوري، وظلت تصدر بعد وفاته حتى عام 1909م. وقد ازدهرت الصحافة العربية
بظهور «الجوائب» للشدياق في اصطنبول عام 1860م واستمرت حتى عام 1884م. وفي عام
1861 صدرت في تونس صحيفة «الرائد التونسي» وهي جريدة رسمية،ثم أنشأ المعلم بطرس البستاني «نفير سورية»، وابنه سليم «الجنة» ثم
«الجنينة» عام 1871م. وفي عام 1866م أنشأ عبد الله أبو السعود في القاهرة الصحيفة
السياسية «وادي النيل». وفي بغداد أنشئت «الزّوراء» عام 1868م، ثم ظهرت عام 1870م
في بيروت صحيفة «البشير» على أيدي الآباء اليسوعيين.
وقد ساعدت هجرة بعض السوريين إلى مصر على
ازدهار الصحافة فظهرت بعض الجرائد منها «الكوكب الشرقي» لسليم حموي عام 1873م، وجريدة الأهرام للأخوين سليم وبشارة تقلا عام 1876م في الاسكندرية، ثم نقلت إلى
القاهرة ولاتزال تصدر حتى اليوم، ثم «الوطن» لميخائيل عبد
المسيح عام 1877م، وفي السنة نفسها صدرت «لسان الحال» في سوريا لخليل السكاكيني، وفي عام
1880م صدرت «المصباح» لنقولا نقاش ثم عُطلت عام 1908م، و«المحروسة» لأديب إسحق وسليم النقاش، وفي عام 1885 صدرت جريدة «الموصل» في
العراق، وفي هذه السنة نفسها أصدرت جمعية الفنون الإسلامية في بيروت «ثمرات
الفنون» برئاسةالحاج سعد الدين حمادة، وإدارة صاحب امتيازها عبد القادر القباني،
وظلت تصدر حتى 1908م، ثم «المقطم» عام 1888م لفارس نمر ويعقوب صروف وفي هذه السنة صدرت كذلك «المؤيد» لعلي
يوسف وأحمد ماضي، ثم «اللواء» عام 1900 لمصطفى كامل، ثم توالت
الجرائد بعد ذلك في شتى البلاد العربية.
أما في المهاجر الأمريكية فأول جريدتين
عربيتين ظهرتا هناك هما «كوكب أمريكا» لنجيب عربيلي وأخيه عام 1888م في نيويورك،
ثم «الفيحاء» لسليم ودعيبس بالش عام 1894م في سان باولو - البرازيل - وتوالت
بعدهما جرائد كثيرة منها في أمريكة الشمالية «مرآة الغرب - المهاجر - الدليل
السائح» ومنها في أمريكا الجنوبية «الميزان - الأصمعي - الزمان - الشرق -
الإصلاح» وغيرها.
أما المجلات فأقدمها «اليعسوب» التي أصدرها
محمد علي الحكيم وإبراهيم الدسوقي، في القاهرة عام 1865م، وهي أو مجلة طبية، ثم
«الجنان» لبطرس البستاني في بيروت 1870م، وهي علمية أدبية سياسية كانت تصدر في
الشهر مرتين وفي السنة نفسها صدرت «النحلة» للويس الصابونجي في بيروت، وهي أدبية
علمية انتقادية، ثم «روضة المدارس» في القاهرة أنشأها نخبة من العلماء والأدباء منهم عبد الله فكري وإسماعيل
الفلكي وبدر الحكيم بإيحاء من علي مبارك وبإشراف الطهطاوي، وهي
مجلة علمية تاريخية طبية، ثم أصدر يعقوب صروف وفارس نمر «المقتطف» في بيروت 1876م ثم نقلت إلى
القاهرة عام 1886م. وهناك مجلات أخرى كثيرة أشهرها في مصر «الهلال» لجرجي زيدان وقد أنشئت عام 1892م، وطبع في مؤسستها كتب
كثيرة تاريخية وأدبية أشهرها روايات مؤسسها عن تاريخ الإسلام، وتلتها «التنكيت
والتبكيت» و«الأستاذ» عام 1892م وكلتاهما لعبد الله النديم وتوالى بعد ذاك ظهور مجلات كثيرة كمجلة
المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1921م، ثم «الأديب والكاتب والثقافة والآداب»
وغيرها، وبعضها خاص بالمرأة مثل «العروس» لماري عجمي وقد ظهرت عام 1910م، و«المرأة» لنديمة
المنقاري في سورية عام 1934م وغيرها كثير.
وفي المهجرين الشمالي والجنوبي صدرت مجلات
كثيرة أشهرها في نيويورك «الفنون» لنسيب عريضة عام 1913م و«السمير» لإيليا أبو ماضي عام 1929م. وفي سان باولو - البرازيل -
صدرت عام 1930م «الأندلس الجديدة» لشكر الله الجر، ثم «العصبة» لجمعية العصبة الأندلسية عام
1935م.
ومن الملاحظ أن الصحف العربية كانت في
أوائلها ركيكة العبارة، يطغى على أسلوبها المحسنات البديعية من سجع وجناس وطباق،
ثم لان أسلوبها، وابتعد كتّابها عن الزخرف والحشو، وتوخوا تأدية المعاني بدقة
وبساطة ووضوح فأضحت لغتهم وسطاً بين الفصحى والعامية.