علم اللهجات:
تعريفه:
اللهجات علم من علوم اللغة, وإن لم يذكره
القدماء ضمن علومها, وهو على ما قرره مجمع اللغة العربية بالقاهرة: علم يدرس
الظواهر والعوامل المختلفة المتعلقة بحدوث صور من الكلام في لغة من اللغات.1
موضوعه:
من خلال التعريف السابق يتبين لنا أن علم
اللهجات يتناول الظواهر اللغوية, التي تحدث في لغة من اللغات بسبب اختلاف اللهجات,
أو التي يكون اختلاف اللهجات سببًا رئيسًا فيها, وذلك كالإبدال في اللغة العربية,
والفك الإدغام, والهمز والتسهيل, وقضايا المشترك والمتضاد والمترادف...إلخ.
كما يتناول علم اللهجات انقسام لغة ما إلى
عدّة لهجات, مرتبطة بها, قلّت أو كثرت, والأسباب التي تؤدي إلى ذلك, والصلة بين
اللغة الأم وبين ما تفرع عنها من لهجات فرادي ومجتمعه, وبين كل لهجة وشقيقتها,
وخصائص كل هذه اللهجات في مستويات التحليل اللغوية, ومن أصوات, وبنية, تركيب,
ودلالة, ما يعرض لهذه اللهجات في صراعها وتفاعلها من قوة أو ضعف, وانزواء أو
انتشار, وموت وحياء, وما يكون من سيادة إحداها على سائرها كما حدث للهجة
قريش-مثلا-, وبيان أسباب تلك السيادة, وقد تتحول إحدى اللهجات إلى لغة, عندئذ
يتناول علم اللهجات أسباب ذلك, كما يدرس آثار كل لهجة في صاحبتها, ومدي تأثرها
بها, ثم استنباط القوانين التي سارت عليها اللغة في ذلك كله. 2
أهمية علم اللهجات العربية:
دراسة اللهجات العربية لها أهمية كبيرة,
تتمثل فيما يلي:3
1- نحتاج في عصرنا هذا إلى الوقوف على مراحل
تطور اللغة العربية, ومعالم كل مرحلة في تاريخها المديد, في الأصوات, والمفردات,
صيغة ودلالة, وفي الجمل والتراكيب, ولنصبح على فهم أفضل للغتنا, ونتمكن من تقديم
حلول دقيقة أو أقرب ما تكون إلى الدقة في كثير من قضاياها على مختلف المستويات,
فنعرف لماذا أماتت أصوات, وتحورت أخري, وننفي عنها شبه الاضطراب والفوضي التي رميت
بها في كثير من ظواهرها ومباحثها, كالاشتراك اللفظي, والمتضاد, والمترادف, واختلاف
الضبط, وكثرة المصادر والجموع السماعية, وظواهر الشذوذ المختلفة, كل ذلك ونحوه
تقدم لنا فيه دراسة اللهجات حلولاً نابعة من صميم اللغة ومنهجها.
2- اللهجات العربية مرتبطة ارتباطا وثيقا
بالقراءات القرآنية, التي تمثل اللهجات جانبا كبيرا منها, ودراسة اللهجات دراسة
واعية تفيد كثيرا في عزو هذه القراءات اللهجية إلى أصحابها, وهي خدمة جليلة للقرآن
الكريم الذي قامت الدراسات العربية له وبه.
3- تفيد دراسة اللهجات القديمة في الإجابة عن
السؤال التالي: هل العربية الفصحى ولغة الشعر, عبارة عن حصيلة لهجات عدة, أم أنها
لهجة قبيلة معينة, سادت واتخذها الشعراء قالباً, ينظمون فيه أشعارها؟
فدراسة اللهجات تقدم تحليلا علميَّا
للتكوين اللغويّ للغة العربية, حيث إنها تثبت أن الفصحى عبارة عن خليط من لهجات
شتي, أسهمت كل قبيلة في صنعه بقدر قد يزيد أو ينقض, بحسب ظروف كل قبيلة ومكانتها.
4- تفتقر اللغة العربية إلى معجم تاريخي, شأنها في ذلك شأن غيرها من لغات متقدمة, بل هي إليه أشدّ حاجة, للارتباط الوثيق بين حاضرها ومستقبلها وبين ماضيها, ودراسة اللهجات القديمة والحديث من أهم أسس وضع مثل هذا المعجم ويوضح الرافعي علة إهمال القدماء تدوين اللهجات العربية وأثر ذلك على الدلالة التاريخية في اللغة فيقول: «ولابد لنا من التنبيه على أن الرواة والعلماء لم يدوِّنوا اللهجات على مناطق العرب قبل تهذيب قريش للغة, ولكنهم تناقلوا من ذلك أشياء كانت لعهد الإسلام, وأشياء أصابوها في أشعار العرب مما صحت روايته قبيل ذلك, أما سواد ما كتبوه, فقد شافهوا به العرب في بواديها وسمعوه منهم, وهم بلا ريب من بقايا اللهجات الأولي التي كانت لعهد الجاهلية.
5- الدراسة المكتملة للهجات قديمها وحديثها
تمكنها من اكتشاف القوانين التي سارت عليها العربية في تطورها, والعوامل التي وجهت
هذا التطور وأثرت فيه, وارتباط كل ظاهرة بمسبباتها في المكان أو الزمان.
6- دراسة اللهجات في عصرنا الحاضر- خصوصا- لها
فوائد عملية, كما في المجال العسكري, في أعمال التجسس, وبث الشائعات, والدعايات
المختلفة والحرب النفسية, وكذلك لدي رجال الشرطة حين يريدون أن يتسللوا إلى جماعة
ما, أو تنظيم ما, أو عصابة مثلاً فلابد للجاسوس ولرجل الشرطة من دراسة لهجة
المنطقة التي يجمع منها المعلومات دراسة دقيقة, وإلا افتضح أمره وفشل في مهمته.
كما أنها ضرورية في مجال الإذاعات الموجهة.
7- تكشف لنا دراسة اللهجات العربية الحديثة عن
احتفاظها بعناصر لغوية كثيرة من اللهجات القديمة, مثل كسر أحرف المضارعة كما في
نشرب, وتخفيف الهمزة في ريس وغير ذلك.
فالبحث في اللهجات الحديثة يتبين منه أنها
ترجع في كثير من الحالات, إلى اللهجات العربية القديمة, أكثر من رجوعها إلى اللغة
الفصحي (الأدبية, أو المشتركة).
8- تفيد دراسة اللهجات الحديثة في تحديد
الأماكن التي استقرت فيها القبائل العربية بعد الفتوح الإسلامية, حيث إن كل منطقة
نطقت العربية بلهجة من نزل بها من العرب.
9- دراسة الهجات تمكننا من نسبة أقوام متفرقين
في أماكن مختلفة إلى أصل واحد «فإذا اشترك قوم من الشام وقوم من المغرب في جملة
خواص لقبيلة واحدة, بحيث تكفي تلك الخواص للتمييز, وحُكم بأنهم من أصل واحد, ولسبب
من الأسباب الكونية قضي الزمان بتفرقهم وتشتيتهم في النواحي6.
10-
دراسة اللهجات ضرب من المعرفة المجردة, فإن ساغ لأحد أن
يغفلها, فلن يسوغ ذلك لدارس اللغة, والمهتم بأمرها.
(1) في اللهجات العربية: د/ محمد أحمد خاطر ص 5,
نقلا عن: مجموعة المصطلحات العلمية والفنية: 4/93.
([2]) السابق نفسه- ص 5.
([3]) انظر: فصول في فقه العربية ص73, في
اللهجات العربية د/خاطر ص8.
([4]) تاريخ آداب العرب 2/108, 109.
([5]) تاريخ آداب العرب 2/116, 117.
([6]) مميزات لغات العرب, لحفني ناصف- ص9.